عبر و قصص من القرأن الكريم مع التفسير
سلسلة قصص الانبياء
الحمد لله الاول والآخـــر ، الباطن والظاهر ، الذى هو بكل شىء عليم
بدأ خلق الانسان من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ،فى قرار مكين فجعله سميعا بصيرا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا
ولكن القصة بدأت قبل خلق آدم ، فقد سبقتنا مخلوقات أخرى الى الدنيا مثل : الملائكة والجـــن و غيرها .
واهم ما سبق الانسان فى الخليقة هو المــــاء .. إكسيـــر الحياة ، وقد ورد فى الأحاديث ان الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء
وان المــاء خُلق قبل العرش ، عندما تستمع الى تلك الأحاديث سيتجلى لك مراد الله من قوله تعالى :
(وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء/30
(وهو الذى خلق السماوات والارض فى ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا) هود/7
وهذا خبر من الله تعالى أن عرشه سبحانه كان على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن .
سنجد أيضاً حديث يخبرنا أن : ” أن أول ما خلق الله القلم ” .. هذا ليس تعارض مع أسبقية خلق الماء والعرش فى الوجود
لكن بعد التوفيق بين الأحاديث ، سنفهم ان المقصود هو أن القلم خُلق قبل أى شىء عدا الماء والعرش .
فهذا منطقى للغاية ، لانه لما خلق الله القلم ، أمــره بكتابة ما كان وما سيكون إلى أن تقوم الساعة.
ثم بعد القلم بخمسين ألف عام ، أذِنَ الله عز وجل أن يخلق السموات السبع والأرضين السبع والجبال والأنهار وما فيها .
تم خلق السموات والأرض في ستة أيام ، خُلقت الأرض فى يومين ، وقُدّر للناس أقواتها في مثل ذلك , ثم استوى ربنا إلى السماء ومازالت دخاناً .. فخلقها
وقد خلق الله الأرض ثم السموات .
( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين ¤ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ¤ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا طائعين) .. [آية 9 ,10 ,11 : سورة فصلت]
وستجد ايضا قوله تعالى : (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها …) وبعدها بآيتين ( والأرض بعد ذلك دحاها) .. [آية 27 , 30 : سورة النازعات]
كيف دحى الله الارض بعد السماء ؟؟ .. ألم نقل أن خلق الأرض سبق خلق السموات !!
بلى ، لكن الارض حين خلقها الله لم تكن مدحوّة ، والدحو عند العرب يعنى البسط ، ثم عندما خلق السماء .. رجع للأرض فبسطها
واخرج منها الأنهار .
هنا تتجلى حكمة الله فى خلقه ، فبرغم أن الله تعالى يكفيه أن يقول للشىء كن فيكون .. وأنه قادر على خلق السموات والارض فى لمح البصر لكنه خلقها فى ستة ايام ليرسل لنا العبرة ، والعبرة هى ضرورة التأنى فى العمل دون تعجل .. والاهم اتقان العمل .
قبل ألفي عام من خلق آدم ، خلق الله خلقاً على الأرض سماهم الجن .. وكان الجن قوماً مفسدون يسفكون الدماء ويُفسدون فى الارض , لذلك تعجبت الملائكة من خلق الإنس لسببين :-
1-توقعت الملائكة أن الإنس سوف يفسدون فيها كما فسد الجن من قبلهم بقولهم (أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء) .. [ آية 30 : سورة البقرة]
ولكن هناك تفسير آخر يُفيد بأن الله عز وجل قد أخبر الملائكة أن بني آدم سيكونون مُفسدين .. فالله أعلم أي التفسيرين أصح
ولكن جاءهم الرد على سؤالهم من الله عز وجل حين قال : (قال انى أعلم ما لا تعلمون) .
لم تكن تعلم الملائكة أن من هذا الخلق الجديد سيكون أنبياء وشهداء وصالحون واحباب للرحمــن .
2-خافت الملائكة من تقصيرهم في عبادة الله وبالتالي خلق الله الإنس ليعبدوه فقالت الملائكة :
(ونحن نُسبح بحمدك ونقدّس لك) .. [آية 30 : سورة البقرة]
خلق آدم :
كرّم الله أبانا آدم ان خلقه على قدمين وميّزه عن سائر خلقه فلم يجعله مثل الزواحف أو الجوارح بل مخلوقاً حسن المنظر مرفوع الرأس .
خلقنا الله أعزاء بديننا وخلقِنا ، فلا نذل انفسنا ولا نخضع رؤسنا إلا لله إبتغاء مرضاته .
لكن لماذا سـُميَّ آدم بذلك الاسم ؟
كلمة آدم مأخوذة من أديم الأرض يعني تراب الأرض ؛ حيث إنه عند البدء ف خلق آدم لما أراد الله ان يخلق آدم عليه السلام قبض قبضةً من تراب الأرض وكان منه الأبيض والأصفر والأحمر والأسود .. أخذ بنو آدم من صفات هذا التراب بإختلاف ألوانه وخصائصه , فصار منهم السهل ومنهم الصعب , منهم الخبيث ومنهم الطيب
خلق سيدنا آدم على 7 مراحـــل ، فى كل مرحلة رسالة وحكمة من رب العالمين .
1/ قبضة من تراب الأرض , حتى نعلم أننا ضعفاء , مخلوقون من نفس المادة التي نمشي عليها ! .. ولكنه سبحانه كرّمنا ورفع شأننا فبأي حقٍ نعصيه وننسى من أين خـُلِقنا !
2/ تم تبليل التراب بالماء فأصبح طيناً ، ولو لاحظنا فإن التراب والماء هما أدوات الطهارة فى الاسلام .. يريد تعالى أن يخبرنا بأننا مخلوقون من طـُهر فـ حذاري أن ندّنس طهارتنا بالمعاصي والكبائر .
بالإضافة إلى أن الطين عكس النار , فالطين كله خير والنار كلها شر , مما يعني أن آدم أصله خير والجن أصلهم شر
3/ ظل الطين على هذه الحال زمناً حتى إزداد تماسكه فصار طيناً لازباً
4/ تُرك للمزيد من الوقت حتى أصبح كـ الصلصال
5/ تغيرت رائحته وطرأت عليه بعض العوامل وخالطته بعض الشوائب فتغيّر لونه إلى الأسود كالرماد “حمأ مسنون ” .. كأنما تُمثل تلك الشوائب الغرائز والشهوات والخصال السيئة التي في بني آدم , قد يكون هذا محض تشبيه! لكن ماهو مؤكد بالنسبة لنا هو المغزى من ذلك التشبيه , إنها رسالة لنعلم أن الأصل فينا الخير لأننا من طين , وكل تلك الغرائز هي مجرد شوائب خالطة ذاك الأصل الطيب ليس اكتر
6/شكّل الله ذلك الصلصال مثلما نشكّل نحن الفخار
7/ نفخ فيه سبحانه وتعالى من روحه ,, فأصبح هو المخلوق الوحيد الذي كرّمه تعالى بالنفخ فيه من روحه , حتى أن الملائكة لم تكرم بمثل ذلك التكريم !
** الإنسان مخلوق من شيئين متضادين وهما [الروح والطين] فستلاحظ ان كلاً منهما يسعى دائما لأصله ؛ حيث أن الروح من السماء والطين أصله من الأرض
– فحينما يموت الإنسان ترجع روحه للسماء ويُدفن جسده في الأرض
-الروح غذاؤها روحاني سماوي لا تتشبع سوى بالقرآن والصلاة والعبادة والذكر وإشباع الحاجات المعنوية
بينما الجسد الذي هو من الأرض فغذائه من الأرض وطعامه الأكل والشرب وإشباع الشهوات الدنيوية .
إذن الروح أغلى من الجسد بكثير والدليل أن جسدك فهو يظل معك لا يُفارقك سوى عند الموتة الكبرى .. بينما روحك تُفارقك كل مساء عند نومك ( أو ما يُسمى بالموتة الصغرى) حيث ترجع إلى خالقها فيردها لمن يشاء ويحبسها عمن يشاء
قال تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تَمُتْ في منامها فيُمسك التي قضى عليها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ) .. [آية 42 : سورة الزمر]
ولإن الشيطان يُدرك ذلك تماماً ستجده مُتشبثاً بك في المساء ساعياً لتحريضك على المعصية في في أوقات الليل حتى تنام على معصيتك فإذا جاء أجلك نائماً ولم يَردَّ الله إليك روحك , تكون قد فارقت الحياة على معصية فتـُبعث عليها ! ولذلك وصّانا الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن ننام على وضوء حتى نُبعث عليه
** خـُـلِـق سيدنا آدم و طوله 60 ذراع وعرضه 7 أذرع [ يُذكر أنه من شدة طوله كان يمشي مُقارباً للسحاب, والملائكة تفزع منه عندما يمشي / و ذاك هو الطول الذي سنكون عليه كلنا يوم القيامة]
ظل سنوات على هذا الحال فكانت الملائكة تترقبه ماهذا وكيف سيكون بل إن ابليس نفسه كان يحوم حوله ويدخل فى جوفه ثم يخرج وينظر اليه ويقول للملائكة لا عليكم إنه اجوف ولئن سُلطتُ عليه لأهلكنّه .
وتلك اشارة على ان الجن ليسوا بمجوفين .
إن ابليس يتحدى والملائكة تترقب والله يأمر إذا نفخ فيه الروح فقعوا له ساجدين
كان ابليس جن عابد تقيّ لم يعص الله قط ، عاش حياته كلها فى مرضاة الله والتقرب منه حتى إرتقى إلى درجة جعلته مخلوقاً من نور النار وليس من النار مثل سائر الجن .. حتى أنه كان مسموحاً له أن يُخالط الملائكة فى السماء وأن يدخل الجنة .
لذلك كان متواجداً مع الملائكة حين أمرهم الله بالسجود لسيدنا آدم ، لكن الكِبَرَ أطاح به! .. فكثرة تعبده وثقته فى مكانته وصلاحه جعلته يستحقر آدم ويرفض الخضوع لأمر الله بالسجود له ، مما جعله يتجرأ على الله بعصيان أمره ..
وحيث أن التكبر كانت أول معصية عُصيَ الله بها
فلذلك قيل أنها أصل كل المعاصى وأنه ” لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر ” .
بدأت لحظة عظيمة تاريخ جديد للبشر بل هو بداية تاريخ البشر ، بدأت لحظة النفخ فى الروح لآدم عليه السلام وكل من فى الملأ الأعلى ينتظر .. إنها لحظات مشهودة وموقف عظيم .
بدأت الروح تسري فى رأس آدم بدأ ينظر فتح عينيه يتلفت يميناً ويساراً .. إنها الجنه بأشجارها وثمارها وأنهارها
ثم وصلت إلى الأنف فعطس فقالت الملائكة يا آدم قل الحمد لله فقال الحمد لله .. فقال الله عز وجل يرحمك ربك ، وهكذا فإن أول ما نطق به آدم هى كلمة الحمد و أول ما نزل عليه من ربه الرحمة حتى قبل إكتمال الروح فيه .
نزلت الروح الى جوف آدم فاشتهى ثمار الجنة والاكل منها فاذا به يقفز قفزة يريد ان يصل بها إلى ثمار الجنة , غير أن الروح لم تصل لقدميه بعد!
من هنا جاء قوله تعالى : (خُلِق الإنسان من عجَل ) [ آية 37 : سورة الأنبياء ]
فلما اكتملت الروح فى آدم .. مسح الله على ظهره فنزلت ذريته منذ بدء الخلق إلى قيام الساعة ،عُرضوا عليه جميعاً أهل الجنة وأهل النار بلا إستثناء .
وكان اهل الجنة لديهم علامة من نــور بين اعينهم ، فنظر آدم الى أحدهم كان بين عينيه نور شديد فأعجبه .. وسأل ربه :
” أى ربى من هذا ؟ ” فقال : ” هذا رجل من آخر الامم من ذريتك يقال له داوود “
” ربى كم جعلت من عمره ؟ ” فقال : ” 60 عاما “
” ربى زده من عمرى 40 عاما ” .. فاستجاب له ربنا فانتقص من عمره اربعين سنة فعاش 960 بدلا من 1000 عام .
ولما أتاه ملك الموت ليقبض روحه وكان عمره وقتها 960 عاما .. فتعجب آدم وقال انه مازال من عمري 40 عاماً ، لكن ملك الموت ذكره بأنه كان قد تنازل عنهم لابنه داوود …
أبونا آدم كان قد نسي , من غير قصد ولا عمد , لكن من هنا أصبح النسيان طبيعة فى بنى آدم , و بما أن النسيان يُولّد الخطأ والجحود والانكار, فأصبحت تلك الصفات في ذريته من بعده
قال نبينا الكريم : ” “نَسيَ آدم فنسيت ذريته , وأخطأ آدم فأخطأت ذريته”
ثم بين الله للملائكة تشريف آدم عليهم بالعلم “وعلّم آدم الأسماء كلها”
، مــا هى هذة الأسمـــاء ؟
هى الأسماء التى يتعارف بها الناس (إنسان ودابة وبحر وجبل ..إلخ ) ، علمه كل صنعة وكل طيــر .
ثم قال الله للملائكة : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) فكان الرد المنطقى : (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ماعلّمتنا) .
فهم لا ينطقون بغير ما انطقهم به الله ولا يعلمون غير ما علمهم اياه .
لكن لماذا قال الله عز وجل لملائكته : (ان كنتم صادقين ) .. وما السر وراء المقارنة بين آدم والملائكة فى معرفة أسماء الاشياء !!
قال الحسن البصرى : لما أراد الله خلق آدم ، قالت الملائكة : لا يخلق الله خلقا إلا كنا اعلم منه فابتلاهم الله لذلك .
وانهم يعبدونه ليلا نهاراً دون فتور و قد خُلقوا من نــور ، فزعموا أنهم سيظلون أكرم عند الله من ذاك المخلوق الجديد .
فأراد الله أن يُثبت لهم أن سيدنا آدم مُكرّم أكثر منهم وعنده علم ليس عندهم مثله , فسألهم عن أسماء باقي المخلوقات إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم أكرم من آدم
وذلك لا يُقلل من شأن الملائكة الكرام ،، لكن المغزى هو التأكيد أن المُلك لله وحده يُفضّل من يشاء من خلقه ويرفع مكانة من يشاء وانه هو السميع العليم الذى لا تخفى عليه خافية .. (ألم أقل لكم أني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ماتُبدون وماكنتم تكتمون)
وتكريم الله لآدم على الملائكة لم يكن بالعلم فحسب ، بل أنه سبحانه زاد في التكريم والتأكيد بإن أسجَدَ له الملائكة .. وذلك كان سجود تكريم وليس المُراد به العبادة , فقد كان سجود التكريم جائزاً قديماً ثم تم تحريمه بعد ذلك .
كما حدث في قصة سيدنا يوسف حين سجد أبوه يعقوب واولاده الإحدى عشر ليوسف عليه السلام ، فكان سجود تكريم أيضاً وليس عبادة .
تم إخــراج إبليس من الجنة وأُسكن آدم الجنة فكان يمشى فيها وحيداً ليس له زوج يسكن إليه .. فنام نومة فإستيقظ وعند رأســـه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها من انت ؟ قالت : امرأة .. قال : ولما خُلقتِ ؟؟ قالت : لتسكن إلى .
فقالت له الملائكة : ما اسمها يا آدم ؟؟ … قال : حـــواء .. قالوا : ولم كانت حـــواء ؟؟ .. فأجابهم : لأنها خُلقت من شىء حــى .
وعاش آدم مع حــواء فى جنة يأكلان من ثمارها ، ويتظللان بظلالها ، ونهاهما ربنا عزوجل عن الأكل من شجرة واحدة فى الجنة كلها
(ولا تقربا هذه الشجـــرة ) (البقـــرة : 35 ) ..
وحذرهما من ابليس .. فبدأت المعركة الأولى بين ابليس وآدم عليه السلام وحــواء ، إنها معركة بين البشر وابليس .
( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) .. [ آية 117 : سورة طـه]
( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ) و ( وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى )
كان كل ذلك النعيم فى الجنة ملك لآدم وزوجته إلا تلك الشجرة المُحرمة ، فدخل لهم إبليس من مدخل التحريم .
(فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) .. (آية 120 : سورة طـه )
كيف يجعل إبليس آدم يعصى ربه عز وجل ، لم يقل له كل من هذه الشجرة التى نهاك الله عنها .
ولكنه جاء بأسلوب آخر (وقال ما ننهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين ) ..
( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) .. [ آية 21 : سورة الأعراف ]
ألا تحب يا آدم أن تكون مَلكاً ، حواء ألا تحبين أن تكونى من الملائكة ، الكل يحب هذا ، اذا أكلتما من هذه الشجرة صرتما من الملائكة .
أو يا آدم .. يا حــواء ، ألا تُحبان أن تعيشا فى هذه الجنة مُخلدين ، لا موت , لا نهاية ! فقط كلا من هذه الشجــرة .
استغل إبليس تعظيم آدم لله ، ودخل من هذا المدخل أخذ يقسم بالله أنه صادق بحديثه .. وبدأ آدم بتصديقه لأنه أقسم بالله ، ماكان يتصور آدم عليه السلام ، أن مخلوقاً يُقسم بالله كاذباً فصدّق ابليس .
وبدأ يمشيان خلفه (فدلهما بغــرور) وزيّن لهما أن يأكلا من الشجرة فاذا بهما يأكلان منها ، بمجرد أن أكل آدم من هذه الشجرة
(فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سؤاتهما) .. لم يكن آدم يرى سوءة حــواء ولا حـــواء كانت ترى سوءة آدم .
(بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) .. [آية 22 : سورة الأعراف]
ولإن الانسان فُطر على الحياء ، هرب آدم من حواء وهربت حواء من آدم .. كل واحد يهرب من الآخر يبحثان عن ورق فى الجنة من الاشجار ، فيقطعان الورق كل منهما ليغطى سوأته .
ندم آدم وحياء وبكيا يقول آدم فى نفسه سبحان الله كيف ننسيت كيف وقعت بالذنب يبكيان وهما يدعوان الله .. ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) .
فيقول الله عز وجل : ( ونادهما ربهما الم انهاكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين ) .
وانزل الله آدم الى الارض ومعه حـــواء ومعهما ابليس ، فأصبح الثلاثة فى الارض لتبدأ المعركة الأزلية .
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ..[سورة البقرة: الآية 38]
**نلاحظ هنا أن أبانا آدم قد أخطأ وعصى الله لما أكل من الشجرة , وإبليس كذلك أخطأ وعصى الله عندما لم يستجب لأمر السجود ؛ لكن الفرق إن سيدنا آدم بعد الغلط على طول تاب , وأستغفر الله ودعاه كثيرا كي يسامحه على خطأه بينما إبليس عَنَد , وتحدّى وأصرّ على غلطته
**نزول سيدنا آدم للأرض لم يكن نزول استهانة , إنما كان فيه كرامة , فالله منذ الأذل يعلم أنهما سيأكلان من الشجرة وسيعاقبهما بالنزول من الجنة , حيث إن تجربة السكن في الجنة كانت ركن من أركان الخلافة في الأرض , أو كمرحلة واجب أن يمر بها سيدنا آدم حتى يعرف هو و ذريته أن إتبّاع الشيطان سبب في طرد بني آدم من الجنة وإن سبيلهم الوحيد للجنة هو طاعة ربنا عز وجل.. والدليل أن الله عندما خلقه قال (إني جاعل في الأرض خليفة) ولم يقل في الجنة , فالهدف كان الأرض من البداية , ومن بعدها الجنة لمن يستحقها فقط
يُقال أن آدم نزل فى الهند وحــواء فى جدة ثم إلتقيا عند عرفات ولذلك سُمى عرفات بهذا الاسم حيث إلتقى آدم وحواء عنده وعرف أحدهما الآخر هناك ، وبدأ التكاثر على وجة الأرض ،، وبث الله منهما رجالا كثيراً ونساءاُ .
يُقال أن حــواء حملت عشرين مرة ، كانت في كل مرة تلد توأماً من ذكــر وأنثى ، مما يعني أن آدم كان له 40 ابن وبنت .
أولهم قابيل وأخته قليل ، وآخــرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث .
وكانت سُنة آدم فى ذريته أن يتزوج الذكر فى البطن الأنثى فى البطن الآخر والعكس كذلك ، حتى جاء يوم من الأيام فإختلف أحد أبناء آدم فى فتاة مع أخيه .. إنه قابيل ، أراد أن يتزوج فتاة ليست من حقه بل من حق هابيل .
فإختصم الأخوان الى آدم ،، فقال لهما : ليُقرب كلاً منكما قرباناً إلى الله ، فمن يتقبل الله قربانه هو من سيتزوج هذه الفتاة
وقد كان .. فقدّم كليهما القربان
قابيل كان مزارعا فقرّب محصولاً فاسداً من السنابل وغير صالح للأكل حتى آنه وجد فيه سنبلة صالحةً فأكلها ..
أما هابيل كان راعياً للأغنام , فقدّم أسمن شاه عنده وقرّبها إلى الله جل وعلا
علامة قبول القربان كانت نزول صاعقة من السماء فتصيب الصاعقة القربان المُختار وتحرقه
اختارت الصاعقة قربان هابيل ، فلما رأى قابيل هذا الامر إزداد ضيقه وحسده على أخيه حيث أنه سيتزوج من أخته وأن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربانه هو .
يُقال أن هابيل كانت بنيته الجسدية أقوى وأشد من قابيل ، لكن رغم تهديد قابيل له بالقتل لم يبادر إليه بالأذى لأنه أستحى من الله أن يؤذى أخيه المسلم .. فما بالك بقتله
( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين )
ثم رد بكل أدب وطيب نفس (لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدى اليك لأقتلك انى أخاف الله رب العالمين انى أريد أن تبوء
باثمى واثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ) .
ازداد الحقد فى قلب قابيل وإذا به يبحث عن هابيل فى كل مكان ، يبحث عن أماكن رعيه حتى وجده من بعيد ،، اقترب إليه بهدوء
فاذا به يجده مستلق على الارض نائماً ،، فبدأ الشيطان يجرى فى دمه وإذا بأول جريمة الآن ستقع على وجة الارض حيث حمل قابيل صخرة كبيرة [ أو يُقال فك حمار] ورماها على رأس أخيه ، فكسر رأســه وقتله فى لحظة واحدة .
وجلس يبكى ماذا أصنع ماذا أفعل كيف أدفن هذه الجثة كيف اواريها ، ( فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ) .. غراب حفر الارض برجله ووضع شيئا فى الارض و دفنه ليريه الله كيف يحفظ جثة أخيه وصار كل من يقتل على وجة الارض يتحمل جزءا من اثمه أول من بدأ بالقتل … انه قابيل بن آدم عليه السلام .
هرب قابيل مع زوجته الى السهول حتى لا يراه أباه آدم ، وعاش حياته هناك واتى بذريته وتكاثرت وشاع فيها الفساد والمعاصى ، وصار هو وذريته أصل الشــر فى الأرض .
قال بعض العلماء ان قابيل قد ندم لكن دون استغفار والندم دون استغفار لا تعد توبــة و قال البعض الآخر أن ندمه فى الأساس لم يكن على قتل أخيه لكن بسبب أن الغراب كان احسن منه .
أبونـــا آدم عليه السلام كان نبياً ورسولاً ،، لكن الفرق بينه و بين سائر الأنبياء أنه كان مرسلاً لذريته ليعلمهم دينهم ويحثهم على طاعة الله ، أما باقى الأنبياء كانوا مرسلين لدعوة الكفار والمشركين للتوحيد .
وكان آدم عليه السلام النبى الوحيد الذى كان كل كلامه مع ربه دون وسيط
يُقال أن علم آدم كان فى 104 صحيفة ، وأنه علّم ابنه شيث منهم حوالى 50 .. والله أعلم .. ولم يكن شيث مجرد ابن بل كان بمثابة خليفة لآدم عليه السلام من بعده لدرجة أن بعض العلماء إعتبروا شيث أول الأنبياء بعد آدم
بدأت ذرية شيث وباقى أبناء آدم فى التكاثر وصاروا هم أصل الخير فى الأرض ،، وظلوا مسلمين على دين أبوهم آدم قرابة العشرة قرون حتى وقع اول شرك بالله فيما بينهم .
هكذا طويت صفحة أول نبى على وجة الارض ، اول من خلق الله عز وجل ، كانت قصته حافلة عظيمة .. أرأيتم الذنب ماذا يصنع بالانسان ، أرأيتم رحمة الله بآدم هكذا رحمته ببنى آدم فإنه يقبل التوبة لمن تاب وأناب .
وفى النهاية ، تلك كلها اجتهادات فى تفسير كتاب الله وتدبر قصصه والله وحده اعلى واعلم .
قال تعالى “وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا “
المصادر :
• قصص نبيل العوضي
• قصص عمرو خالد
• قصص طارق السويدان
• قصص ابن كثير
• موقع إسلام ويب
• موقع الملك سعود للمصحف الإلكتروني , تم الإستعانة به لتفسير بعض الايات