قصة طالوت وجالوت في التاريخ

أشهر معارك التاريخ ، وقصة طالوت وجالوت مع نبي الله داود (عليه السلام)


كان بنو إسرائيل قد عاشوا فترة من الزمن على الإيمان والاستقامة وكان الله جل وعلا يرسل إليهم الأنبياء ليرشدوهم إلى طريق الحق وإلى طريق الخير.
.
.
ولكنهم مع مرور الزمن بدلوا وحرفوا وابتعدوا عن طاعة الله كثيرا ووقعوا في معصية الله وعبد بعضهم الأصنام..
وظل الأنبياء يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ومع ذلك ظلوا على حالهم من المخالفة والعصيان إلى أن سلط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم عددا كبيرا وأسروا منهم عددا كبيرا وأخذوا منهم بلاداً كثيرة..
وكان بنو اسرائیل قبل وقوعهم في المعاصي لا يقاتلون أحدا إلا غلبوه……
وذلك لأنهم كان عندهم التوراة والتابوت
.
.
كان التابوت نعمة من نعم الله على بني إسرائيل وكان لهذا التابوت شأنٌ عجيب : كانوا إذا اشتبكوا مع أعدائهم في قتال ، أو التقوا بهم في ساحة نزال
يحملونه بين أيديهم ، ويقدمونه في صفوفهم ، فينتشرُ في قلوبهم سكينةٌ واطمئناناً
ويبعثُ في أعدائهم هلعاً ورعباً ؛ لسر عجيب فيه ، ومزايا خصهَُ الله بها
فلم يزل بنو إسرائيل في غيهم وضلالهم حتى استطاع أحد الملوك أن يأخذ منهم التابوت والتوراة في بعض حروبهم ولم يكن فيهم أحد يحفظ التوراة إلا القليل.
.
.
وانقطعت النبوة من أسباطهم ، ولم يبق من سبط (لاوى) الذي يكون فيه الأنبياء إلا امرأة حامل من زوجها وقد قُتل
فأخذوها فحبسوها في بيت واحتفظوا بها لعل الله يرزقها غلاماً يكون نبيَّا لهم
.
.
ولم تزل المرأة تدعو الله عز وجل أن يرزقها غلاماً ، فسمع لها ووهبها غلاماً
فسمَّته شمويل أي سمع الله دعائی ومنهم من يقول : شمعون. فأنبته الله نباتاً حسناً ، فلما بلغ سن الأنبياء أوحى الله إليه
وأمره بالدعوة إليه وتوحيده ، فدعا بنی إسرائيلي.
.
.
وظل شمويل يتابعهم بالدعوة ويأمرهم بالتوبة وبعد جهد كبير عادوا إلى الله جل وعلا وتابوا من عبادة الأصنام.
ولكنهم لم ينسوا ذل الهزيمة التي لحقت بهم من قبل وكيف أن التابوت قد أُخذ منهم وكذلك التوراة. فأرادوا أن يغيروا واقعهم الذليل وأن يبدلوا ذُلهم وهزيمتهم نصراً وعزاً.
.
.
وأخذوا يفكرون كيف يعود إليهم العز مرة أخرى فلم يجدوا إلا سبيلاً واحداً ألا وهو الجهاد في سبيل الله.
فذهبوا إلى نبيهم شمویل علیه السلام وقالوا له نريد منك أن تختار لنا ملكاً يتولى أمرنا، ويقودنا في قتال أعدائنا حتى تعود إلينا العزة مرة أخرى.
.
.
فقال لهم: ولكن هل لو كتب الله عليكم الجهاد في سبيله هل ستصدقون وتقاتلون؟.
قالوا: نعم سنقاتل … إننا ننتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر حتی ننزع الذل الذي نعيش فيه وتعود إلينا العزة … وكيف لا نقاتل وقد أخرجنا من ديارنا … وأصبح أبناؤنا عبيدا عند أعدائنا
.
.
فلما رأی شمويل إصرارهم سأل الله فأوحى الله إليه أنه قد استجاب له وأنه قد اختار طالوت لیکون هو ملكهم.
خرج شمویل علی بني اسرائیل وهم في غاية الشوق لمعرفة الملك الذي يقودهم في الحروب.،
.
.
فقال لهم: إن الله قد استجاب لدعائنا واختار لكم طالوت ملكاً

فاعترضوا ورفضوا رفضا شديدا وقالوا:كيف يكون طالوت ملكا علينا وهو فقير لا يملك مالاً وليس من بیت الملك وعائلة الملوك .فنحن أحق بالملك منه
فقالوا له : نريد علامة وآية تدل على أن الله هو الذي اختار لنا طالوت ملكاً.
.
.
قال لهم: إن الآية التي تؤكد لكم أن الله قد اختار لكم طالوت ملكا أن يأتيكم التابوت الذي أُخذ منكم وفيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسی وآل هارون، تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنین.
وتحققت الآية التي وعدهم بها نبيهم ، وحملت لهم الملائكة التابوت ، وأوصلته إليهم ، فوافقوا على تملك طالوت عليهم.
.
.
وتمر الأيام ويعلم طالوت أن الأعداء يجهزون أنفسهم لقتالهم وكان على رأس جيش الأعداء رجل يقال له ( جالوت ) وكان حاكماً ظالماً.
فأخذ طالوت يجهز جيشه من بني إسرائيل
وفي اليوم المحدد خرج بهم طالوت للقاء في هذه المعركة الفاصلة فلما خرج بجنوده وكان جيشه ثمانين ألفا قال لهم: ( إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ) البقرة 249،
.
.
أي مختبركم بنهر وهو نهر بين الأردن وفلسطين
فعندما تمرون عليه لا تشربوا منه ، فمن خالف أمري وشرب منه فليس من جیشي
فلا يتبعني، لأنه ليس جنديا منضبطا مطيعاً. أما من لم يشرب من النهر والتزم الأمر وأطاع فإنه مني.
.
.
وسار جيش بني إسرائيل في الشمس المحرقة حتى أصابهم العطش الشديد وبعد فترة وصلوا إلى النهر
فما كان منهم إلا أن انطلقوا نحو النهر وشربوا جميعا منه إلا عدداً قليلاً منهم
ثمانون ألفاً شربوا ما عدا ثلاثمائة رجلاً هم الذين أطاعوا طالوت ولم يشربوا من النهر ،
.
.
وسار طالوت بالقلة المؤمنة المطيعة حتى وصل بهم إلى أرض المعركة الفاصلة مع جالوت وجنده.
وكان جيش العدو كبير فأحس بعض أفراد الجيش الذين صبروا مع طالوت أنهم أضعف بكثير من جالوت و جيشه وقالوا : (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)
.
.
لكن الفئة القليلة الثابتة أيقنوا أن النصر ليس بالعدد والعتاد وإنما النصر من عند الله عز وجل.
فقالوا لطالوت: امض لسبيلك فإنا – إن شاء الله – سوف ننتصر عليهم ولو كان عددنا قليلاً (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
.
.
والتقى الجيشان .. جیش الإيمان وعلى رأسه طالوت .. وجيش الطغيان وعلى رأسه جالوت..
وكانت المعارك في هذا الزمان وحتی زمان التابعين لا تبدأ إلا بعد مبارزة بين رجلين بالسيف.
.
.
فخرج الملك جالوت.. وكان قويا عملاقا … خرج وهو يلبس دروعه الحديدية ومعه سلاحه فبدأ يطلب منهم أن يخرجوا له رجلا يبارزه فخاف كل الجنود الذين كانوا مع طالوت..
فقال طالوت: من منكم يخرج ليبارز جالوت.. وسوف أزوجه إبنتي و أجعله قائداً على الجيش؟
.
.
فبرز من جيش طالوت غلام صغير كان يرعی الغنم اسمه داود (علیه السلام) وكان مؤمناً بالله وكان يعلم يقينا أن القوة ليست هي قوة السلاح أو الجسد وإنما هي قوة الإيمان واليقين والثقة في الله.
.
.
وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت. وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه ( وهو نبلة يستخدمها الرعاة ) وتقدم جالوت المدجج والدروع ، وسخر من داود وضحك منه ومن فقره وضعفه ، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر ، فأصاب جالوت فقتله ، وكانت مفاجأة مذهلة للجیشین..
.
.
وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت علی جالوت بعد أن استغفر الجيش كله لله ،ودعوه سبحانه وتوسلوا إليه وذلوا له ،فنصرهم وقهر عدوهم.
كما كان طالوت قد وعد داود (عليه السلام) إن قتل جالوت أن يزوجه إبنته ويُشركه في أمره فلما قتل داودُ جالوتَ وفى له طالوت بما وعده وجعله قائداً على الجيش.
ثم أصبح داود (عليه السلام) بعد ذلك ملكاً على بني إسرائيل فجمع الله له بين الملك و النبوة.
.
.
—————-
المصادر :

•البداية والنهاية
• تاريخ الرُّسل والمُلوك
• تفسير ابن كثير
•تاريخ الطَّبري
•الكامل في التاريخ.