قصة نبي الله صالح عليه السلام والناقة

قصة نبي الله صالح

ومن بعد قوم عاد كان قوم ثمود هُمَّ تاني ناس عبدوا الأصنام بعد الطوفان .. إتسموا ثمود نسبة لـ جدهم ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح.
قوم ثمود عاشوا بعد هلاك عاد بفترة مش بعيدة , بمعنى إن مصير عاد وعذابهم كان لسه في الأذهان فـ أغلب الظن إنه كان عِظة لثمود جعلتهم في بداية حياتهم يلتزموا بدين التوحيد ويبعدوا عن الشرك فترة ما من الزمن ..
.
.
لكن مع إتساع العيشة ونمو الحضارة وطول الزمان , إنحرفوا تاني عن الصراط وعبدوا الأصنام.
_
ثمود كانوا شَبه قوم عاد مش بس في عِبادة الأصنام , إنما كمان في القوة والتمكين في الأرض ..
كانت أعمارهم طويلة لدرجة إن البيوت العادية إللي ممكن الناس تبنيها من سقوف وحيطان كانت بتتشقق وتتهدم وتفنى وينتهي عمرها الإفتراضي قبل إنتهاء أعمار ساكينها من قوم ثمود ؛ لكن بسبب قوتهم وشدة أجسادهم استطاعوا إنهم يستبدلوا البيوت بالجبال ,

.
.
كانوا أقوياء لدرجة إنهم بيقدروا يشكّلوا الجبال والصخور الضخمة بالشكل إللي يحبوه فيعملوا منها القصور والبيوت اللي تناسبهم ويضمنوا إنها تصمد وتستمر معاهم طول فترة حياتهم ..( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) .. [آية 9 : سورة الفجر]
جَابُوا يعني قطعوا الصخور وخرقوها , فينحتوها ويشكلّوها كما يشاؤون.
والْوَادِ المقصود بيه وادي القُرى .. موجود في منطقة تُسمّى “الحِجْر” بين المدينة والشام ..
هو ده الوادي إللي كانوا عايشين فيه , والقُرى المقصود بيها قُرى ثمود إللي بنوها فيه.
[تم فتح وادي القُرى في السنة السابعة من الهجرة فأصبح من المناطق الإسلامية]

.
.
ومش بس في الجبال .. إنما في كل مكان كمان , قُوّتهم كانت ممكّناهم من الإستغلال التام لكل مكان , فكانوا بيبنوا القصور في السهول زَيها زيّ الجبال. وقيل إنهم من شدة الرخاء كانوا بيسكنوا القصور في الصيف ويسكنوا الجِبال في الشتاء!
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) .. [آية 74 : سورة الأعراف]
_

.
.
سيدنا صالح كان واحد منهم وليه مكانة كبيرة عندهم , كانوا شايفينوا عالم عاقل وصادق بيقدّروه جداً وبيحترموا رأيه فعلاً , فـ لما ربنا إختاره وبعثه فيهم علشان يدعوهم للتوحيد .. كان ردهم على أساس الخلفية المُشرّفة إللي في عقولهم عنه..
لكن الخلفية دي ما كانِتش سبب يدعم صِدقه في أذهانهم فـ يصدّقوه , بالعكس دول عاتبوه وعنّفوه وحاولوا يأثروا عليه بيها , حاولوا يحسسوه بمدى خيبة أملهم فيه وإنهم كانوا مُتَوَسِمين فيه الخير والرشاد والدفاع عن الآلهة إللي هتخليه أهل للسيادة المُستقبلية.. (قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) .. [آية 62 : سورة هود]

.
.
[من التفاصيل البديعة إللي بتبيّن دِقة القرآن وبلاغة وصفه :
– تعبير الآية بكلمة “(وَإِنَّنَا) لَفِي شَكٍّ” , إثبات نون “إنّ” مع نون ضمير الجمع “نا” بيقوّي المعنى لإن زيادة مبنى الكلمة دليل على زيادة المعنى..
وبالتالي ده مُناسب جداً إنه يعكس مدى شدة تكذيب القوم وشكوكهم في دعوة سيدنا صالح.
بعكس الحال في [آية 9 :سورة إبراهيم] لما تم حذف النون في الآية “(وَإِنَّا) لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ”
لإن الكلام هنا عن أقوام مُتعددة ومُتفاوتة في درجة التكذيب , فيهم إللي كذّبوا نبيّهم بشدة وفيهم إللي كان تكذيبهم أقل شكاً.

.
.
– من ناحية لغوية تانية : جت كلمة ” تَدْعُونَا” في قصة سيدنا صالح بنون واحدة لإن المُتكلم جماعة والمُخاطب هو نبي واحد.
بينما في آية سورة إبراهيم جت ” تَدْعُونَنَا” بـ 2 نون لإن المُتكلم جماعة هُم أقوام مُتعددة , والمُخاطب جماعة بردو وهم أنبياء مُتعددين.]
كان رد سيدنا صالح رد هادئ حكيم مُتفاهم , سألهم إن كان رجاؤهم فيه ده هيكون سبب كافي لحمايته من غضب ربه لو هو أطاعهم وعصاه؟!
.
.
, بيّن لهم إنه صادق في دعوته , وبالتالي إتبّاعه ليهم هيكون سبب في خسارته وضلاله ؛ لإنه هيخالف الحق الواضح الصادق المُبين إللي ربنا هداه ليه وأرسله بيه.. (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) .. [آية 63 : سورة هود]
أما الرد على شكوكهم الكبيرة وتكذيبهم الشديد فـ كان رد ربّاني بـ مُعجزة تتحدى أي شك.

.
.
يُروى عن قصة ظهور المُعجزة إن قوم سيدنا صالح لما تمادوا في التشكيك فيه بإعتبار إن : من غير المُقنع إنه يتميّز هو بالذات عنهم رغم إنه بشر زيهم, ومن غير المنطقي إنهم يتبّعوا شخص واحد ويتركوا إتباع جماعة كبيرة من الآباء والأجداد والأشراف والكُبراء , خصوصاً إن الشخص الواحد ده ليس من أفضل أهل مَدين ولا أعلاهم منزلة , ولا أتباع له ولا نُصراء يُعززون دعوته! .. { فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} .. [سورة القمر]

.
.
فكان من ضمن محاولاتهم لإبعاد الناس عن الإيمان بيه, إنهم في يوم من الأيام حاولوا يعجّزوه ويثبتوا للناس عدم صِدقه فـ إتحدّوه بإظهار آية .. {مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ..[آية 54: سورة الشعراء]
ويُروى إنهم حددوا أكتر بإنها تكون ناقة , ناقة كبيرة وضخمة , طويلة وحامل في الشهر العاشر .. تخرج من قلب الصخرة , صخرة مُحددة شاوروا عليها وإختاروها! ..ما إكتفوش بالتحدّي وتحديد المعجزة إنما كمان حددوا مواصفاتها وكيفية ظهورها!

.
.
سيدنا صالح أخد منهم الوعد والميثاق إن لو إللي طلبوه حصل هيكون ده دليل كافي بالنسبالهم إنهم يؤمنوا بالله إللي خلقهم وخلق لهم مُعجزتهم .. فوافقوا وإتفقوا.
سيدنا صالح إختلى بربه, صلّى دعا وتضرّع بقلب المُحب راجي الخير والهداية لقومه ليحميهم من عذاب الله .. فإستجاب الله!
في يوم قدامهم كلهم لاقوا الصخرة بتهتز وبتتشق وبيطلع منها جمل كبير .. الجمل كان ناقة كبيرة طويلة وضخمة , حامل في العاشر زي ما طلبوا بمعنى الكلمة!

.
.
فـ آمن منهم كتير , وكفر وجحد واستمر في العِند ناس أكتر بكتير ..
إنقسم القوم فريقين وإبتدا النزاع بينهم أيّهم على الحق.. { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} .. [آية 45 :سورة النمل]
.
.
إللي كفروا بعد المُعجزة كانوا من البداية طالبين الآية علشان يعجّزوه! , مش من باب البحث عن الحق زي ما حاولوا يوهموه , إنما من باب إبعاد الناس عنه لمّا يعجز عن الإيتاء بالآية فيبان للناس كذبه ويتفتح لهم مجال وفُرصة إستغلال الموقف والشماتة والدفاع عن آلهتهم..

.
.
إستمروا في مسعَاهم ده , مش بس مع سيدنا صالح , إنما مع المؤمنين بيه كمان , راحوا للناس إللي صدّقوه وآمنوا بـ ربه وسألوهم بصيغة إستنكارية هل هُمَّ فعلاً مصدّقين إن صالح ليه رب وهو إللي بعثه وأرسله! .. (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ)

.
.
والمؤمنين رغم إنهم مُستضعفين إلا إن ردهم بيبيّن مدى شجاعتهم وقوتهم في الحق , تجاهلوا سؤال المشركين بسبب سذاجته , فكان التجاهل بحد ذاته إقرار منهم إن إرسال سيدنا صالح بالحق من ربهم هو شيء واضح وضوح الشمس لدرجة إن مفيش حد عاقل يسأل عنه. إنما الجدير بالسؤال هو مدى “إيمانهم هُم ” بالحق إللي هو مبعوث بيه.. فكان ردهم (إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) ..[آية 75 : سورة الأعراف]
.
.
الكفار صمموا على موقفهم بـ مُنتهى العِند والإصرار والتكبّر , فـ كان ردهم هو جحود ما آمن به المؤمنين .. فنلاقيهم ما عبّروش عن رفضهم للرسالة بـ نفس طريقة تعبير المؤمنين بإنهم يقولوا ” إنما بما أُرسل به كافرون” .. لإن ظاهر الجُملة هيكون فيه إقرار وإثبات لرسالة سيدنا صالح إللي هُما جاحدين بيها وغير مُعترفين بوجودها من الأساس, عشان كده كان التعبير بـ كُفرهم بما آمن به المؤمنون! ..( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) .. [آية 76 : سورة الأعراف]
_
.
.
ربنا لما استجاب لطلبهم كانت الإستجابة آية لنبيه لتقوية دعوته وتثبيت المؤمنين بيها , وإختبار لقومه بتحقيق مُرادهم كما طلبوه عشان يقيم عليهم الحجة فـ اللي يكفر بعدها يكون عليه عذاب رهيب ..( إنا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ ) .. [آية 27 : سورة القمر]

.
.
وبما إن الناقة نعمة كبيرة ومعجزة مُكرّمة لازم تتقدّر.. فكان وجودها بشروط :
• كان الشُرب من مياه البئر متقسّم بينها وبين الناس يوم ويوم , فـ اليوم إللي الناس بتستعمل مياه البئر فيه , الناقة بـ قُدرة ربنا وأوامره ما بتقربّش من البئر أبداً فيه, الناس يشربوا ويستعملوا الميّة في كل إحتياجاتهم ويشيلوا كمان مخزون كافي من الميّة يكفيهم اليوم إللي بعديه , لإنه هيكون دور الناقة في الشرب ومش مسموح لأي حد يقرب من البئر فيه ..(لهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُوم) .. [ آية 155 : سورة الشعراء]
.
.
• أمرهم سيدنا صالح إنهم يسيبوها على راحتها تاكل من أرض الله إللي هي عايزاه , محدش يقرّب منها محدش يمنعها محدش يئذيها .. (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ) .. [آية 64 : سورة هود]
_
إتسمّت بـ ناقة الله .. سيدنا صالح أنسبها لله سبحانه وتعالى من باب التشريف [زي مابنقول “الكعبة بيت الله ” تشريفاً للكعبة]
ده بالإضافة إن الأسباب المنطقية لوجود أمثالها مش متوفرة ليها.. فـ تم إضافتها ونسبتها لله بإعتبارها إتخلقت بشكل خارق للطبيعة و مختلف تماماً عن شبيهاتها .. [زي مابنقول سيدنا عيسى “كلمة الله”]
.
.
ولما نتأمل الناقة دي هنعرف إنها فعلاً تستحق التسمية دي .. لأنها آية إعجازية في كل حاجة ..
• مُعجزة في إنها إتخلقت من بطن الصخر
• مُعجزة في إنها إتخلقت حامل
• مُعجزة في إنها في يوم دورها في الشُرب كان مفيش أي حيوان أو طائر يقرّب من مياه البئر , زي ما يكون ربنا بيبيّن لنا إن اليوم ده للناقة الربّانية وحدها وإنه حرّم مياه البئر فيه على كل المخلوقات مش بس على الناس ..
• في اليوم إللي كانت بتشرب فيه من الميّة كان الناس بيشربوا من لبنها , فـ كان اللبن إللي بياخدوه منها هي لوحدها يكفي الناس كلهم ويزيد ..
.
.
(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) .. [ آية 28 : سورة القمر] ..
كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ يعني تحضر الناقة إلى الماء في يومها , ويحضر الناس إلى الماء في يومهم , ويحضرون بـ لبن الناقة يوم شربها.
_
.
.
الكفار ما اكتفوش بالتكذيب والعِند رغم كل المعجزات دي , لكنهم كمان حقدوا وإستنكروا..
فكان لسان حالهم رافض وجود ناقة تشاركهم في مياه البئر فتتحرّم عليهم في بعض الأيام بعد ماكانت كلها ليهم كل يوم , كارهينها وناقمين عليها ومش مقتنعين بالعذاب المُترتب على إيذائها
فلما أمِنوا العذاب قرروا إنهم يقتلوها , لكن قرار القتل كان ليه حكاية ..
أصل الفكرة كانت من امرأتين من نساء ثمود , واحدة ذات حسب ومال اسمها “صدوف”, كانت متجوزة واحد آمن برسالة سيدنا صالح , فسآبته , راحت لابن عمها “مصدع” وعرضت عليه إنها تتجوزه ويتنعم بيها وبمالها لكن بشرط إنه يقتل ناقة صالح!
.
.
التانية بقى كان اسمها “عنيزة” .. كانت ست عجوزة كافرة وليها 4 بنات جميلات .. فـ راحت لراجل اسمه ” قدار بن سالف” وقالتله إختار أي بنت من بناتي الـ4 تتجوزها بس بشرط إنك تقتل الناقة.
فـ كان مصدع وقدار هُمَّ أول اتنين مُتحمسين لقتل الناقة .. وبعدها استجاب ليهم سبع رجال كمان , كدا بقوا تسعة ..
.
.
التسعة دول ماكانوش ناس عادية , دول كانوا أكتر ناس مُفسدة في القرية , من كُبراء القوم و أقويائهم , هم أصل الفساد وهم إللي بيشجعوا الناس على الكفر بسيدنا صالح
وهم المذكورين في قوله تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْض وَلاَيُصْلِحُونَ) .. [آية 48 : سورة النمل]
إتفقوا إنهم هيقتلوا الناقة وابنها [الإبل بتولد في المتوسط بعد 12 أو 13 شهر حمل , وهي كانت في الشهر الـ10 لما ربنا خلقها , فمعنى كده إنها قعدت معاهم كام شهر لحد ما ولدت , وفي الوقت ده إتفقوا إنهم يقتلوها ]
.
.
قعدوا يطاردوها لحد ماوصلت لجبل ومابقتش عارفة تجري فين تاني .. حاوطوها هُمَّ الـ9 وواحد منهم ضربها في رجلها بـ سهم فوقعت , قدروا ساعتها يدبحوها بالسيف , وكان عاقر الناقة أو إللي دبحها فعلاً هو قدار بن سالف , وهو إللي ربنا قال عليه (إذ إنبعث أشقاها) .. [آية 12 : سورة الشمس ]
.
.
أما مصير ابنها فـ أختلفت فيه الأقاويل .. بعض المُفسرين قالوا إن الـ9 طاردوه وقتلوه هو كمان .. ومنهم إللي قال إنه قدر يهرب منهم وإنشقت الصخرة فرجع فيها تاني , ويُقال إنه هو الدابة إللي هتخرج على الناس في آخر الزمان .. -والله أعلى وأعلم-
.
.
رجعوا يبشرّوا أهل البلد إنهم خلّصوهم من إللي كانت بتقاسمهم في مشربهم , وواجهوا سيدنا صالح فرحانين وشمتانين إنهم قتلوها وما أصابهمش أي أذى .. بكل بجاحة إبتدوا يتحدّوه ويستدعوا العذاب إللي سَبق وهددهم بيه (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ) .. [آية 77 : سورة الأعراف]
سيدنا صالح بلّغهم آخر رسالة هيعرفوها.. إن العد التنازلي هيبتدي وباقي ليهم تلات أيام فقط لا غير, يوم هتصفّر وجوههم , وفي التاني هتحمّر, والتالت هتسوّد فيه الوجوه ,
.
.
وبعدها يحلّ العذاب العظيم , العذاب الأكيد إللي لا رَجعة فيه ولا هروب منه, لإنه سُبحانه هو مَن وَعد به , و وعد الله صادق مُتحقق غير مكذوب ولا مردود.. (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) .. [آية 65 : سورة هود]
لكنهم لا إهتموا ولا إتأثروا , بالعكس زادت فيهم روح التكذيب والسُخرية والتبجّح ..

.
.
سيدنا صالح يأس منهم , سابهم وتولّى عنهم , حذّرهم آخر تحذير وتبرأ منهم .. أشهدهم إنه بلّغهم رسالة ربه كاملة غير منقوصة ونصحهم بالترغيب والترهيب وجميع الطُرق المُمكنة لكنهم إستمروا على رفضهم للنُصح وعداوتهم للناصحين.. فما لأمثالهم غير العذاب الأليم!.. (تَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) ..[آية 79 : سورة الأعراف]

.
.
ازداد الأمر سوءًا لما الـ9 المُفسدين قرروا يقتلوا سيدنا صالح , فكروا وتآمروا وحسبوها فـ قرروا إنه لو كان كاذب – في خبر العذاب إللي بيهددهم بيه بعد تلات أيام- يبقى القتل هيكون عقاب ليه على كذبه , ولو كان صادق يبقى القتل هيكون إهلاك ليه قبل هلاكهم فيكون الهلاك عليهم وعليه.
إجتمعوا وأقسموا على عدم التراجع , إتفقوا يروحوا يغدروا بسيدنا صالح وأهله في ظُلمة الليل من غير ماحد يحس , والصبح لما أقاربه وأتباعه يحاولوا يعرفوا مين إللي قتله ويثأروا لموته,

.
.
هيتحايلوا على الموقف وينفوا عن نفسهم رؤية إللي حصل , فمن باب أولى إستحالة يكونوا هُمّ نفسهم القتلة.. وساعتها هيكونوا صادقين في كلامهم لإنهم قتلوه في الظلام من غير مايشوفوا ملامحه!.. (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) .. [آية 49 : سورة النمل]

.
.
بس زي ما هُمَّ مكروا وعزموا على الأذية , مكر ربنا كان أكبر منهم وكان سبحانه أقدر على أذيتهم .. فـ بعتلهم حجارة من السما تنزل على رؤسهم مُتتالية زي المطر بل أشد , لحد ما ماتوا رجماً بالحجارة [أو يُقال صخرة ضخمة من أحد الجبال وقعت بإتجاههم فحاولوا يهربوا منها فإستخبوا في غار فـ قفلت عليهم وتم هلاكهم داخل الغار لا هُمَّ يعرفوا إيه إللي حصل لقومهم ولا قومهم يعرفوا حاجة عنهم]

.
.
{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} .. [سورة النمل]
الكفار كلهم غلطوا غلطة كبيرة لما استمروا على إنكارهم وعِندهم بعد ما اتحققت المعجزة الي طلبوها بنفسهم , لكن الـ9 دول تعدّوا كل الحدود وزادوا في الطغيان لدرجة إنهم قتلوا المعجزة نفسها رغم التحذير وأقدموا على قتل النبي كمان فإستحقوا عذاب مُنفصل قبل عذاب باقي القوم , عشان يصبحوا عبرة لقومهم ولِمَن أتى بعدهم.
_
.
.
ولإن باقي القوم كانوا موافقينهم على إللي عملوه وراضيين بقتل الناقة إبتدا عذابهم هٌمَّ كمان يتحقق , وإبتدا إللي قال عليه سيدنا صالح يحصل , أول يوم كان يوم الخميس .. إصفرّت وجوه قوم ثمود لكنهم إتهرّبوا من الإعتراف بالحقيقة واستمروا في الإنكار , يوم الجمعة إحمرّت وجوههم وبردو حاولوا يلاقوا أي أسباب غير صِدق سيدنا صالح , لكن لما وجوههم إسوّدت اليوم التالت ماقدروش ينكروا أكتر من كدا ! ..

.
.
خافوا وارتبكوا .. وإفتكروا الي حصل للـ9 وإتأكدوا من إن العذاب هيجيلهم تاني يوم زي ما كل إللي فات حصل فـ نِدموا على رضاهم عن عقر الناقة وتكذيبهم لسيدنا صالح .. { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} .. [آية 157 : سورة الشعراء]
ما إستَنّوش كتير .. صباح تاني يوم ربنا بعتلهم صرخة قوية جداً من السما , ورجفة قوية جداً من تحتهم , فماتوا من فورهم.

.
.
يُذكر عن الصيحة دي إنها كانت عبارة عن أصوات رعد قوي جداااا وصراخ يخترق القلوب , حاجة كدا ممكن تتخيل جزء منها لما تفتكر كل الأصوات العالية والمرعبة إللي ممكن تسمعها في حياتك , كل دول مُجتمعين وبصوت عالي جدااا لدرجة إنك بتحس الصوت بيخترق قلبك وممكن يوقّفه.

.
.
ربنا وصف حالهم لما ماتوا بصفتين ..
• (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) .. [آية 78 : سورة الأعراف]
الجثوم للإنسان هو إنكبابه على صدره على الأرض باركاً على ركبتيه مع قبض ساقيه, كما يجثو الأرنب أو كما تبرك الإبل.
والتشبيه هنا أبلغ في إظهار إنقطاع حركتهم تماماً وهمود جثثهم وتصوير ميتتهم على صورة أبشع منظر للميت!
• (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) .. [آية 31 : سورة القمر]

.
.
يعني عظامهم محروقة ومتفتتة لو لمستها تتكسر بسهولة زي غصون الأشجار اليابسة إللي بتتحط في الحظيرة تحت رجل الحيوانات .

إنطوت صفحة قوم ثمود , إختفت أصواتهم , تلاشت قوّتهم وإنمحت قُدرتهم في لمح البصر كأنهم ما عاشوا ولا كانوا موجودين على الأرض [رغم طول أعمارهم إللي كانت بتعمّر أكتر من البيوت إللي بيبنوها] .. { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ} .. [آية 68 : سورة هود]
.
.
أما سيدنا صالح والمؤمنين معاه فكان نصيبهم النجاة .. ربنا حماهم وحفظهم ونجّاهم بكيفية نجهلها والله وحده يعلمها لكنها في جميع الأحوال دليل عظيم على قوة ربنا وقُدرته ودي من الحاجات إللي كانت كفيلة إنها تطمّن سيدنا النبي وتصبّره على الأذى في سبيل أداء مهمته وتبليغ دعوته..{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } .. [آية 66 : سورة هود]
_
.
.
• مدائن صالح لسه موجودة لحد دلوقتي في المنطقة إللي بين الحجاز والشام , هتلاقي بيوتهم الضخمة إللي منحوتة من الصخور والجبال , ربنا أبقى على مساكنهم من بعدهم علشان تبقى عِبرة للي يجوا بعدهم, عشان كل قوي مُتجبّر يتأكد إن مهما بلغت قوّته مش هيكون زي قوة قوم ثمود إللي كان مصيرهم اللاشيء بعد ماكان عندهم كل شيء.
.
.
• في القرآن ربنا سمّى عذاب قوم ثمود بأكتر من تسمية [ الطاغية / الصاعقة / الرجفة / الصيحة ] بعد التسميات دي نقدر نتخيل كمية العذاب إللي هُمَّ شافوه!
• ربنا كان قادر ينزّل عليهم العذاب في نفس اليوم , لكنه خلاهم يستنوا تلات أيام لـ حِكمة هو أعلم بها , قد يكون من ضمنها إنهم يخافوا ويفضلوا في رعب وإرتباك , يدوقوا العذاب المعنوي قبل العذاب المادي ويتأكدوا إنهم غلطوا غلطة كبيرة في حق نفسهم بتكذيبهم وطغيانهم وكفرهم وموافقتهم على قتل الناقة.