تفسير آية الطيبون للطيبات

سورة النّور سورةٌ مدنيّةٌ، عدد آياتها أربعٌ وستّونَ، اشتملت على العديدِ من الموضوعاتِ المهمّةِ، ومنها حادثة الإفك والحديث عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وبيان أنّ ما رُمِيت به كان إفكاً، فهو كذبٌ وافتراءٌ، والتّحذير من العودة إليه أبداً، وتوعُّد الله عزّ وجلّ الذين يرمون المُحصَنات الغافلات المؤمنات باللّعنِ في الدّنيا والآخرة. وقولهُ تعالى:(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، جاء براءةً من اللهِ عزَّ وجلَّ للسيدة عائشة رضي الله عنها في حادثةِ الإفكِ، كما وردَ في أكثرِ كتبِ التّفسيرِ، فسببُ نزولِ هذهِ الآيةِ حادثةُ الإفكِ.

تفسير آية الطيبون للطيبات

اختلف أهل التأويل في تفسير  هذهِ الآية: قال الله -تعالى- في سورة النور: (الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)،[١] فقال بعضُهم: أي الطيبون من الناس للطيبات من الكلام؛ فالأقوال الطّيِّبة تليقُ بالأشخاصِ الطّيِّبين، وهو قولُ الجُمهور، وذهبَ بعضُهم إلى أنَّها  الطيبون من الرجال للطيبات من النساء؛ فالنِّساء الطّيِّبات لا يليق بهنَّ إلَّا الرِّجالُ الطّيِّبون، وكذلكَ العكس،[٢] وفيما يأتي  تفصيلٌ لِكُل معنى منها.

الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات من الكلام

عن ابن عباس، قوله: ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ) يقول: الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول.
وقوله: ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ) يقول: الطيبات من القول للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول، نـزلت في الذين قالوا في زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان، فالكلام وصفٌ لِصاحبه والقول الطّيِّب لا يخرُج إلَّا من الرّجالِ والنِّساء الطّيِّبين

وعن مجاهد، يقول: القول السيئ والحسن، للمؤمنين الحسن وللكافرين السيئ هذا المعنى هو الأقرب؛ لِقوله الله تعالى:  (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ) وذلك بأنه ما قال الكافرون من كلمة طيبة فهي للمؤمنين، وما قال المؤمنون من كلمة خبيثة فهي للكافرين، كلّ بريء مما ليس بحقّ من الكلام.

الطيبون من النساء للطيبين من الرجال والخبيثون للخبيثات

لأن التشابه في الأخلاق والتجانس في الطبائع من مقومات الألفة ودوام العشرة، فالطيور على أشكالها تقع وكل جنس بجنسه يأنس…، كما قال الله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]. وعلى هذا المعنى يكون المراد بالخبيثات والطيبات: النساء أي شأن الخبيثات أن يتزوجن الخبيثين، وشأن الطيبات أن يتزوجن الطيبين، فهذا هو الأصل والأليق والأوفق